كلمة المدير

كلمة المدير

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد؛
في مثل هذا اليوم؛ في الفاتح من نوفمبر من سنة 1954م، وعلى الساعة منتصف اللّيل، نطق الرّصاص بإحدى ضواحي الأوراس الأشمّ؛ ليأذن ببداية نهاية المستدمر الفرنسيّ الغاشم الذي مكث كابوسَ رعبٍ على صدر الجزائر المسلمة لمِا يقارب قرنا ونيِّفٍ من الزمن. إنّه إيذانٌ بانطلاق ثورة الفاتح من نوفمبر المجيدة.
نطق الرّصاص ليقول كلمته الفصل في صراع حاولت فرنسا الاستدماريّة أن تمحُوَ فيه كلّ ما له علاقة بالعروبة والإسلام، من أجل إلحاق الجزائر بها، حتى أوهمت نفسها أنّ ”الجزائر جزء لا يتجزّأ من فرنسا”.
نطق الرّصاص لكي يُبدِّد الأوهام، ويُجليَ الظّلام، ويُجفّف سيِّئ الأقلام، ويُنهِيَ لغوَ الكلام:
نطقَ الرّصاص فما يُباحُ كلامُ وجرى القِصاصُ فما يُتاح ملامُ
لقد كانت ثورة الفاتح من نوفمبر سنة 1954، خريطة الطريق، والسّمت العتيق، والعهد الوثيق خريطة الطّريق لكلّ سالك للحريّة والانعتاق، والسّمت العتيق الذي سلكه أجدادنا على مرّ تاريخهم في مجابهة الجبابرة ومقارعة الطّغاة، والعهد الوثيق الذي كُتِبَ بالدّماء الزاكيات الطّاهرات على أن تبقى الجزائرُ جزائرَ امتداد للأمّة العربيّة وللإسلام، فكانت كلمة السرّ في هذه اللّيلة المباركة ”خالد وعقبة”.
لقد كلّلت ثورة الفاتح من نوفمبر المجيدة، بعد حربٍ دامية دارت رحاها في كلّ ربوع الوطن الأبيّ وصاغ فيها آباؤنا ملاحم الشّجاعة والإباء التي خطّوها بدِماء مليونٍ ونصف المليون من الشّهداء الأبرار، كلّلت بالنّصر والاستقلال غداة الخامس من شهر جويلية 1962م.
إنّ هذه الثّورة العظيمة، علّمتنا أنّ الحريّة والسيادة هما أعظم ما يُمكن للإنسان أن يَنشُدَه ويطلُبه ويُضحّي بالنّفس والنّفيس من أجله، لأنّ بهما فقط يُحافظ على هُويّته ووجوده ووحدته. وبهما فقط يرسم مستقبله ومستقبل أبنائه وأحفاده، وبهما فقط تستمر حياته في الذاكرة الجمعيّة لأمّته.
وإنّنا اليوم مطالبون أكثر من أيّ وقت مضى أن نُحافظ على تضحيات أجدادِنا لنرفع هذا الوطن الأبيّ عاليا، ولا يكون ذلك إلاّ بالعمل الدّؤوب، والجهد المنُوب، وصقلِهما معا بالإخلاص النابع، والعلم النّافع، مع الاهتمام بالشباب اليافع والخلق الرّافع.
والجامعة باعتبارها محلّ العلم والفضيلة، ومنجم الطاقات البشريّة الجليلة، تسعى إلى أن يَتبوّأ المكانَةَ الصَدرَ أهلُها، ويَعُمّ الجزائرَ المُستقِلّةَ فَضلُها، ولا يكون ذلك إلاّ بأن يَعِيَ كلَّ مُنتَسبٍ إليها -طالبا كان أو أستاذا أو إدارِيّا أو عاملا أو رَجُل أمنٍ- دورَه وأهمّيته في هذه المنظومة، فيَسهر على أداء واجبه على السبيل الأمثل، والنّحوِ الأكمل، لترتفع راية العلم والمعرفة والأخلاق الحميدة فيها، فيسُودُ الوطنْ، ويَسْوَدُّ وجهُ كلّ عميل مرتَهَن.
وإذ نُحيي في هذه اللّيلة المباركة ”ذكرى ثورة الفاتح من نوفمبر المجيدة” فإنّي وبعِبرةِ المعتَبِرْ، وغبطةِ النّشوانِ المنتَصِرْ، أُهنّئكم جميعا –منتسبي الأسرة الجامعيّة عامّة، والمركز الجامعيّ عبد الحفيظ بوالصّوف ميلة خاصّة- بهذه الذكرى الراسخة في قلوبنا رسوخ جبال الأوراس وجرجرة والونشريس، كما أهنّئ كافّة الشّعب الجزائري، بهذه المناسبة البهيجة.
تحيا الجزائر، والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.