بمناسبة الذكرى 59 لعيدي الشباب والاستقلال

بمناسبة الذكرى 59 لعيدي الشباب والاستقلال

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسّلام علىى سيّد المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعدً؛

       فالذاكِرةُ الوطَنية روحُ الأمّة، ومَبْعثُ فَخرِها ومجدِها، وصَوابُ اعوِجاجِها وأَوْدِها، ومُلتَقى أجيالِها خلَفًا بِسَلَف، ومَتْلَدُ إرثِها لِمن اقْتَفى وعَرَفْ، فهِيَ الوحدة الشّعورية السّامية، ومَدَرُّ القِيَم العليا الهامِية، التي نستمِدّها مِن مُقوِّمات هُوِيّتِنا دينا ولغة وتاريخا ووطَنا.

       وإنَّ من أَيّامنا الغُرٍّ الميامين في ذاكرتنا الوطنية، يومُ الاستقلال والشباب، الذي يتشرّفُ به ويتزَيَّنُ بِسَناهُ يومُ الخامس من شهر يوليو (جويلية) من كُلّ سنة، باعتباره يوما وطنيّا خالدا في سِجِلِّ كِفاحِنا المسجّلِ بأرواح ومُهَجٍ ودماء. بِعَدَدِ ما هَمَتْ به السّماء. وما طار طائر أو حطّ في الرّبوع والأرجاء.

       إنّ الاحتفال بيوم الاستقلال الأغرّ؛ وإن كان يوم فرحة وبهجة وسرور، وجذل وغَناءِ وحبور؛ فِإنَّهُ في الوقت نفسه يوم للذِّكرى نتذكّر فيه مشقّة المسيرة، وألم السيرة، لندرك أنّ ما أُخِذَ منا بالقُوّة إنّما استرجعناه بالقوّة، بسواعد أبناء هذا الوطن المفدّى، بَعد أن رهنوه أرواحهم ومنَحوه مُهَجهم ولسانهم يلهج محبّة وفِداءً:

وإنّا لَنُرْخِصُ يَومَ الرَّوعِ أَنفُسَنا *** وإِنْ نُسامَ بِها في السِّلْمِ أُغِلينا

      لقد كان يوم الخامس من شهر يوليو (جويلية) تتويجا لكفاح عسير ونضال مرير، بدأت أحداثه بَيِّنَة دونما إرهاص في مجابهة فرنسا الغاشمة مُنذ أن دنّست أقدامُ جنودها تُرابَ الجزائر الطاهر سنة 1830م، ولم تخمد جذوة هذا الكفاح على مدار 132 سنة، حتى ظفر هذا الشّعب الحرًّ بما طمح إليه دوما من مكارم العزّ والحريّة والكرامة والاستقلال.

كما كان هذا اليوم المشهود والحدث المعدود، تتويجا لثورة أبهرت العالم، وأركعت فرنسا ذليلة صاغرة أمام جبروت الجَزائريين الذين أعلنوها بلسان واحد وموحّد يؤكِّدُ المضي في الثورة حتى النَّصر أو الاستشهاد، فكانت الثانية من نصيب ما يربو عن مليون ونصفِ مليون من الشهداء الكرام، وكانت الأولى من نصيبنا نحن، نستظل بظلّها ونعيش في كنفها، رافعين رايات المجد للذين بوَّأونا هذا المقام العزيز، وما كان تحقيقه على اللهِ بعزيز.

       وعَطفًا على بدْءٍ، فإِنّنا نحتفل اليوم في الوقت نفسه بِعيد الشّباب، هذه القوّة الهادرة التي تزخر بها الجزائر الأبِيّة، والتي هي مبعث عزّها وفخرها وسرورها، وموطن قوّتها وبأسها وتقدّمها، ورُقَيِّها وازدهارها، وملجَاُها في كلّ خطبٍ أو بليّة، ومستنفرها عند كلّ هول أو رزيّة.

       فبالشباب تتّقد هممُ الوطن، وبه يتبدُّدِ عِهنُ الضَّعف والوهن، لا سِيَما إن كان الشّباب حامل علم، ورائد عمل، يُقَدِّرُ موضع الرّجل قبل الخطو، ويأخذ زِمام البادرة النادرة التي ترفع قدر الوطن وتسمو به في مصافِّ الدول الرائدة المُتقدّمة.

       وإذ تحيي الجامعة الجزائرية عامّة الذكرى المزدوجة لعيدي الاستقلال والشّباب، والمركز الجامعيّ عبد الحفيظ بوالصّوف –ميلة- خاصّة، فإِنّها تغتنم هذه السّانحة، لتُهنّئ منتسبيها الكرام أساتذة وطلبة وعمالا،  كما تُهنّئ الشعب الجزائريّ عامّة بهذه الذكرى الطيّبة النّديّة، وتحثّ الجميع على مدّ يد الخير لصنع التميّز الذي نأمل، وبلوغ الهدف الذي من أجله نعمل.

تحيا الجزائر حرّة مستقلة

المجد الخلود لشهدائنا الأبرار.

والسّلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.