إحياء الذكرى الرابعة والستّين لعيد الطّالب 19 ماي 1956.

إحياء الذكرى الرابعة والستّين لعيد الطّالب 19 ماي 1956.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

زملائي الأساتذة، أبنائي الطلبة، الحضور الكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أما بعد؛

”الشّهادَةُ لن تجعَلَ منّا أحسنَ الجثث”

       عبارة كان وقعُها على المستدمر الفرنسي الغاشم أشدّ من طلقات الرّصاص من أفواه البنادق في الأوراس وجرجرة والونشريس، عبارة حملها بيان إضراب الطلبة الذي دعا له الاتّّحاد العامّ للطّلبة المسلمين الجزائريين، (UGEMA ). وتبنّته كلّ التنظيمات الفاعلة في الوسط الطلاّبي، والذي بدأ يوم التّاسع عشر من ماي 1956م، وشاركت فيه جلّ الفئات الطلاّبية؛ حيث شمل الإضرابُ توقّفَ الطّلبة عن الدروس وانخراطهم في الثّورة، واعتبر هذا الإضراب خطوة مفصلية في النضال الطلابي الذي اتّجه أخيرًا نحو العمل المسلح، لمساندة الشعب الجزائري في تلك المرحلة الحساسة باعتباره واجبًا وطنيًا. ليؤكّد على دعم الطلبة الجامعيين والثّانويين في الدّاخل والخارج للثّورة المسلّحة، والتي ادّعت فرنسا عبر إعلامها المضلّل، أنّها مجرّد أعمال إرهابية معزولة. تقودها شرذمة من قطّاع الطّرق الخارجين عن القانون.

       لقد أكّد الكثير من المحاضرين المختصّين في تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، أنّ إضراب التاسع عشر من ماي 1956م؛ شكّل رافدا من أهمّ روافد دعم الثّورة التّحريرية، بعد أوّل نوفمبر 1954، حيث أثبت للمستعمر أنّ الطلبة الجزائريين ينتمون إلى هذا الشّعب الأبيّ، وأنّهم على أتمّ الاستعداد للتّضحية بأنفسهم ومكاسبهم في سبيل نيل الحرّية والاستقلال، وأنّ الشّهادة في سبيل الله عندهم أهمّ من الشّهادة. وهو ما تأكَّدَ لدى فرنسا بعد التحاق طلائع طلاّب عبد الحميد بن باديس -بقسنطية- بالكفاح المسلّح، والتحاق كتائب من النّخبة بالجبال، واستشهاد الكثيرين منهم تحت التّعذيب أو في ميادين الوغى.

       لقد أَوْلَتْ الدّولة الجزائرية بعد الاستقلال عنايةً خاصّةً بالعلم وبطلبته؛ فأقرّت مجّانية التّعليم في مختلف أطواره ومراحله، من أجل بناء فردٍ جزائريٍّ متعلّم قادر على حمل راية البناء والتّشييد، وجعلت من إضراب الطّلبة في التاسع عشر من ماي 1956م يوما خالدا في تاريخ الذاكرة الجماعية للدّولة الجزائرية، كما فتحت الباب واسعا على مصراعيه للطّلبة، للمشاركة في الحياة الجامعيّة من خلال اعتماد التّنظيمات الطلاّبية –لا سِيما بعد أحداث أكتوبر 1988م- واتّخاذها شريكا اجتماعيّا فعّالا في إدارة الحياة الطّلاّبية داخل الجامعات والإقامات الجامعيّة، بعيدا عن الممارسات السياسيّة والحزبيّة، والمصالح الشخصيّة والفئويّة الضيّقة، لتعبّر عن مشاكل الطّلبة، واهتماماتهم وتطلّعاتهم، ليُشكّلوا القاطرة الأماميّة لتطوّر البلاد وتنميتها، باعتبارهم رأس المال الأهمّ والأحسن استثمارا، إذ يتوفّر على أهمّ عنصرين محرّكين وفاعلين في العامل البشريّ؛ ألا وهما: الشّباب والعلم.

       لقد دأب الطّلبة الجزائريون -عبر مختلف المحطّات التّاريخية المفصلية في تاريخ البلد- على المشاركة بفعالية كبيرة في تدعيم الرّوح الوطنية، أو كسر المؤامرات التي تستهدف البلاد، أو وَأْدِ الفتن في مهدها، قبل انتشارها واستفحالها، فقد لعب الطلبة دورا بارزا ومهمّا في العشرية السّوداء من خلال بثّ الوعي، والتّحلّي بالروح الوطنية الصّادقة، عبر دعوات المصالحة الوطنية وعدم الانسياق وراء الأفكار المتطرّفة الدّخيلة عن المجتمع الجزائري المسلم، فكان في الكثير من الأحايين ضحيّة تحمّله لمسؤوليته الوطنية والمجتمعية.

       كما كان الطّالب الجزائريّ حاضرا بقوّة وفعالية في الحراك الوطنيّ الذي انطلق يوم 22 فيفري 2019م، فكان في خضّم الأحداث متناغما مع مطالب الشّعب باعتباره يمثّل شريحة واسعة من أبنائه، فكان يخرج للتظاهر بانتظام، محافظا على وعيِه وسلمِيَّتِه وروحه الوطنيّة العالية، مصرّا على المشاركة الفعّالة في رسم الجزائر الجديدة.

       لقد بوّأ السيّد رئيس الجمهورية الطالبَ الجزائريَّ المكانة المرموقة التي هو قَمينٌ بها، فأكّد في الكثير من المناسبات أنّ الدّولة تولي العناية الفائقة وتُسخّر الامكانات اللّازمة من أجل دعم الاستثمار في الرأسمال البشري المؤهّل لقيادة سفينة التنمية التي انطلقت في البلاد، ولعلّ الطالب هو أهمّ مقوّمات هذا الاستثمار.

       كما لعب الكثير من الطّلبة الدورَ المنوط بهم بفعالية واحترافية، في التصدّي لوباء كورونا كوفيد 19 المستجدّ، كلّ حسب تخصّصه وإمكاناته، والكثير منهم انخرط في جمعيات المجتمع المدني، ليقفوا في الصّفوف الأولى لمجابهة انتشار الفيروس المستشري في البلاد والعالم، كما انخرط السّواد الأعظم منهم في برنامج الوزارة الوصيّة القاضي بمواصلة التعليم عن بُعد عبر منصّة موودل، رغم الصعوبات وقلّة الإمكانيات لدى الكثيرين، والذين نأمل منهم بذل قصارى الجهد من أجل إنجاح السنة الدّراسية الجارية في أحسن الظّروف.

       وبناءً عليه؛ فإنّّ الجامعة الجزائريّة عموما، وجامعة عبد الحفيظ بوالصّوف بميلة خصوصا؛ تََهيبُ بأبنائها الطّلبة أن يكونوا في مستوى تطلّعات الدّولة، وذلك بأن يتحلَّوا بالأخلاق الحسنة الفاضلة أوّلا، ثمّ الجدّ والحرص على تحصيل العلوم والمعارف ثانيا – بما في ذلك التوجّه لإتقان أكثر من لغة؛ ولا سِيَما اللّغة الإنجليزية؛ باعتبارها لغة العلم التي تؤهّلهم إلى إبراز أعمالهم العلمية، وتفتيق إبداعاتهم في مختلف المحافل العلمية الدولية- كلّ ذلك في ظلّ مبادئ الهويّة الوطنية وقِيَم ثورة نوفمبر المجيدة، كما تحثّهم على الانخراط وبقوّة في كلّ البرامج الوطنيّة الموجّهة لهم بالدّرجة الأولى، على غرار خوض تجارب إنشاء المؤسّسات النّاشئة، في إطار الحاضنات ودُور المقاولاتية، ومكتب ربط الجامعة مع المحيط الاقتصادي والاجتماعي، وغيرها.

شكرا لكم جميعا على كرم الحضور وحسن الإصغاء

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.

 

المديــــــر