كلمة المدير

كلمة المدير

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد؛
فإنّنا نقف اليوم في الحادي عشر من شهر ديسمبر موقفا آخرَ عزيز الوقْعِ في السّمعِ، كريم الفعل والوضعِ، ذكراه كذكرى نوفمبر المجيدة، وتتمّة وتأكيدا لاستمرار الثّورة الجزائريّة الفريدة. إنّه يوم ذكرى مظاهرات الحادي عشر من ديسمبر سنة ألف وتسع مائة وستّين الخالدة؛ إذ لم يكُن الجنرال المتغطرس شارل ديغول –وهو ينزل في مدينة عين تيموشنت لإلقاء خطابه صبيحة التاسع من ديسمبر- يتوقّع أن ينحرف مخطّط زيارته إلى واقع شديد الوطأة عليه، فرضته عليه الأغلبية الشّعبيّة الجزائرية المسلمة بكلّ أطيافها وفئاتها؛ والتي لم تكن راضية بطرح ديغول (الجزائر للجميع) وبدعم من الفرنسيين الجزائريين، ولا بطرح الأقدام السّوداء المتطرّفين، المنادية بطرح (الجزائر فرنسية)؛ حيث خرج هؤلاء في مسيرة مناوئة لطرح ديغول في العاشر من شهر ديسمبر؛ لتردّ جبهة التحرير الوطني وعبر الأغلبية الشعبية الجزائرية المسلمة بمظاهرات الحادي عشر من ديسمبر من ذات السّنة.
انطلقت المظاهرات ابتداءً من أحياء العاصمة، وامتدت إلى مدن أخرى؛ كوهران، وعنابة، وقسنطينة، وسطيف… وغيرها من المدن الجزائرية، رفع المتظاهرون خلالها شعارات كسر الأغلال، والمناداة بالحريّة والاستقلال؛ على غرار (الجزائر مسلمة مستقلّة – الجزائر للجزائريين – تحيا جبهة التحرير الوطني…).
لقد أفزعت مظاهرات الحادي عشر من ديسمبر العدوّ الفرنسيّ الغاشم، فهرع –كعادته- إلى قمع المتظاهرين بوحشيّة أدّت إلى سقوط الكثير من الشّهداء في ميدان الشّرف. غير أنّ هذا القمع الشّديد الوقع لم يُثْنِ الجزائريين عن بلوغ مبتغاهم، وإسماع صوتهم الصّادح بالحريّة، والتّائق للاستقلال.
إنّ مظاهرات الحادي عشر من ديسمبر كانت محطّة أخرى أثبت فيها الجزائريون التفافهم بالثّورة وتلقّفهم لها والتحامهم بها، فزرعوا بذلك الفزع في نفس المستدمر الشّديد البأسْ، فهاله الموقف ودبّ فيه الوهن واليأسْ، وعلِم ديغول حينها يقيناً بأنّ الجزائر للجزائريين، ولن تكون فرنسيّة.
أظهرت مظاهرات الحادي عشر من ديسمبر 1960 للعالم أجمع حقيقة الاستدمار الفرنسي الفظيعة، وممارساته الوضيعة، ممّا أقنع هيئة الأمم المتّحدة بإدراج ملفّ القضيّة الجزائريّة في جدول أعمالها، وصوّتت لصالحها، كما وسّعت المظاهرات دائرة التضامن الدّوليّ مع الثّورة التحريرية؛ ممّا ضيّق الخناق غلى فرنسا وجعلها تدخل في صراعات داخليّة وضغوط خارجيّة أجبرت شارل ديغول على التفاوض مع جبهة التحرير الوطني باعتبارها الممثّل الشّرعي والوحيد للجزائر.
وإذ نُحيي اليوم ذكرى هذه المحطّة الحاسمة من تاريخ النّضال ضدّ المستدمر الفرنسيّ الذي جثم على صدورنا لأزيَدَ من 130 سنة؛ فإنّنا نُكبِر بكلّ فخر واعتزاز تضحيات آبائنا وأجدادنا البواسل؛ الذين ضحَّوا بالنّفس والنّفيس من أجل أن نحيا وأبناءَنا وأحفادَنا في كنف الاستقلال والحريّة والأمن.
وبهذه المناسبة الوارفة ظِلالها، المورقة غِلالها، أُهنِّئ الشّعب الجزائريّ عامّة والأسرة الجامعيّة خاصّة، لاسِيَما منتسبي المركز الجامعيّ عبد الحفيظ بوالصّوف –ميلة- داعيا المولى عزّ وجلّ أن يُديم على بلدنا الأمن والرّخاء، وأن يرفع عنّا البلاء والوباء، إنّه قريب سميع مجيب الدّعاء.
عاشت الجزائر حرّة مستقلّة، والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.